taroudantpress . محمد مهيب .. "ابن ميدلت" يبرع في المزاوجة بين الطبيب والأديب . تارودانت بريس
كثيرة هي الوجوه التي تلقت تكوينها في المجال العلمي داخل المغرب وخارجه؛ لكنها اختارت لاحقا دراسة الأدب وتأليف روايات وكتابة مقالات في مختلف المواضيع، وتسليط الضوء على العديد من القضايا، كما هو شأن الدكتور محمد مهيب، الذي استطاع التوفيق والمزاوجة بين عمله طبيبا في مدينة ميدلت وبين التأليف الروائي وكتابة المقالات.
أطلق محمد مهيب صرخته الأولى في الوجود دجنبر من سنة 1950 بمنطقة أغبالا ضواحي خنيفرة، تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي بمسقط رأسه، ثم أتيحت له بعدها فرصة دراسة الطب التي يعدها من المهن الإنسانية، على اعتبار أنه يميل إلى فعل الخير ومساعدة الناس بعلمه وتخصصه على قدر المستطاع.
بعد تخرجه، اشتغل عامه الأول في تازة، ثم أقفل عائدا إلى ميدلت، واشتغل طبيبا رئيسيا في المركز الصحي لثلاث سنوات، ثم رئيس المستشفى لعشر سنوات، وشغل منصب رئيس مستشفى وزان لسنتين ونصف السنة، ليقرر رفقة زوجته، التي غادرت الحياة قبل أسابيع، فتح عيادة خاصة به في ميدلت التي وجد ضالته فيها.
تُشكل ميدلت لمهيب المدينة التي يعشقها ويحبها؛ لأن لها طابعا خاصا، إذ "إنها تمتاز بالتنوع البشري والغنى المجتمعي، خاصة منذ بداية اشتغال العمال في المناجم التي استقدمت يدا عاملة من مختلف المدن المغربية منذ 1917 إلى حدود 1925، علاوة على بساطة الساكنة وقناعتها في مجمل مناحي الحياة. وعلى الرغم من ازديادي في أغبالا، فإنني أحس بأن ميدلت هي مدينتي الأم"، يقول مهيب لهسبريس.
بعد سنوات من اشتغاله في تخصصه الطب، فكر في سبر أغوار المجال الأدبي، والتوغل في التأليف الروائي، فشرع في مطالعة الكتب والروايات، قصد شحذ موهبته وصقلها، دون أن يكون تكوينه العلمي عائقا في طريقه؛ إذ يقرأ كثيرا لـبلزاك وإميل زولا وفيكتور هيكو والطاهر بنجلون، وغيرهم كثير من الروائيين الذين يكتبون بالفرنسية، نظرا إلى تلقيه تكوينه العلمي بلغة موليير.
بعدها، فكر مهيب في تأليف أول رواية له اختار لها من العناوين "حْدّْهُمْ"، ثم في ما بعد وُلدت روايته الثانيةLe monde de Aicha Bassou، وهما روايتان يمتح الروائي أحداثها من وقائع حقيقية ومشاهد من الحياة، إلى جانب بعض من الخيال والسرد الروائيين الواجب توافرهما في الكتابة الروائية، علاوة على Midelt: esquisses historiques et culturelles، وبعض المقالات في مجاله الطبي. كما يشتغل حاليا على عمل أدبي جديد عنوانه في Le destin de Mona.
وبخصوص أسباب عدم انتشار أعمال مُهيب، يضيف الطبيب نفسه: "أنا أكتب لنفسي ولأصدقائي، وإن قرأ لي أبناء مناطق الأطلس فهذا يكفي، لأن أعمالي تتمحور حول ميدلت ونواحيها، وتعالج قضايا تهم الإنسان الأطلسي بشكل عام، زد على هذا أن هناك عزوفا واضحا عن القراءة على المستوى الوطني، ناهيك عن غياب التشجيع على الفعل القرائي وكذا التأليف الروائي".
وتابع معقبا على عدم الاهتمام بالكتابات المحلية: "لاحظت في فرنسا، على سبيل المثال، أن هنا تحفيزا للكتاب المحليين من أجل تشجيعهم على المزيد من التأليف؛ لكن في المغرب، ولا سيما في المغرب العميق والمدن الصغرى، لا يعطى أي اهتمام لهذا النوع من الكُتاب، ومن الصعوبة بمكان أن تجد إذاعة تبحث عنهم لتنتشلهم من الإقصاء والنسيان ونفض بعض الغبار عنهم".
لم يكتف مهيب فقط بالطب والأدب؛ بل مولع أيضا بالعمل الجمعوي منذ تسعينيات القرن الماضي، إذ سبق له أن ترأس جمعية أمل بالقصيبة نواحي بني ملال، فكان يقدم المساعدة للتلاميذ المتمدرسين في وسط الجبال في تلك الظروف الصعبة، فانصب اهتمامها كذلك على التعليم غير النظامي وتقديم الدعم للإناث، بمشاركة ما يقارب 27 متطوعا كانوا يشتغلون على أنشطة الجمعية حينها.
وكشهادة في حق محمد مهيب، قال محمد بوراس، أستاذ باحث في الأدب الفرنسي، "أعرف الدكتور مهيب كما يعرفه الجميع كطبيب معروف في المنطقة بفضل خبرته وتجربته في الميدان، وهو أيضا ناشط جمعوي في جمعية أمل للطفل والمرأة في وضعية صعبة، أضف إلى هذا أنه طبيب استطاع التوفيق بين تكوينه العلمي والتقني وبين ميولاته الأدبية، دون نسيان أنه مهتم بالتراث الأمازيغي والإرث الثقافي المحلي للمنطقة".
وأردف بوراس، في حديثه لهسبريس، قائلا: "لقد تعددت مجالات كتابة مهيب بين التاريخي والأدبي والأنثروبولوجي والطبي؛ فمثلا في كتابهMidelt esquisses historiques et culturelles، يرتدي الطبيب هنا جبة المؤرخ والأنثروبولوجي لسبر أغوار تاريخ المنطقة، وفي كتابه Nos plantes médicinales، فالطبيب كتب بتنسيق مع زوجته، التي ترجلت من سفينة الحياة، في مجال تخصصه الطبي، إذ تطرقا إلى الطب التقليدي والأعشاب الطبية".
وفي المجال الأدبي، يتابع الأستاذ ذاته، "يمكن أن ندرج كتابات مهيب ضمن الأدب المغربي بالفرنسية، لأن كتاباته تحلينا مباشرة على أعمال الجيل الأول من هذا الأدب، مثل محمد خير الدين وأحمد الصفريوي وإدريس الشرايبي، وتسرح بنا في عوالمهم السردية والروائية. التيمات التي يعالجها مهيب لا تخرج عن التيمات التقليدية للأدب المغربي بالفرنسية بشخصيات محلية أمازيغية، من قبيل "عيشة باسو" و"ثاسكورث" و"رحو" و"نبارش أوباسو"... باختصار، مهيب روائي انصب اهتمامه على مواضيع متجذرة في بيئته المحلية بظواهرها المتعدد وعاداتها و تقاليدها، يضعها الطبيب الكاتب في قوالب سردية فرنسية".
وختم بوراس شهادته بالقول إن "مهيب لم يحظ بنصيبه من المكانة التي يستحقها، نظرا إلى عطائه الغزير.. وللأسف، هذا هو حال كُتاب وفناني الهامش، ليظل دور الإعلام ودُور النشر والمراكز الثقافية هو التعريف بهؤلاء. كما أدعو صديقي مهيب إلى الانفتاح على عموم الجمهور من القراء؛ حتى يتأتى له تحقيق المزيد من الألق، وأتمنى له مسيرة موفقة".
