ناصر الجن.. "الصندوق الأسود" الذي فضح هشاشة النظام الجزائري
فرار عبد القادر حداد، الملقب بـ«ناصر الجن»، الرئيس السابق للاستخبارات الداخلية، لم يكن مجرد هروب عادي لضابط متقاعد. ما وقع أشبه بزلزال سياسي وأمني، فضح هشاشة منظومة حكم قائمة على القمع والمؤامرات وتبادل الخيانة. أن يركب أحد أخطر رجال المخابرات قارب "حَرّاگة" نحو إسبانيا، فهذه ليست قصة فيلم، بل إدانة دامغة لنظام ينهار من الداخل.
من الجلاد إلى "الحَرّاگ"
ناصر الجن لم يكن يوماً شخصية ثانوية. كان في قلب آلة القمع الدموي خلال "العشرية السوداء"، وأحد مهندسي المجازر التي أزهقت أرواح آلاف الجزائريين. اليوم، يجد نفسه في وضعية مشابهة لضحاياه: مطارد، مهدد، يبحث عن ملاذ آمن. المفارقة الصادمة أن رمز النظام نفسه لجأ إلى الوسيلة التي كان يحتقرها: "الحَرّاگ"، التي صارت قدر الجزائريين جميعاً، من الشباب المهمش إلى كبار الجنرالات.
نظام في حالة ذعر
ردّ فعل السلطة يكشف حجم الخوف. العاصمة مطوّقة بالحواجز العسكرية، المطارات والموانئ تحت رقابة مشددة، والمجلس الأعلى للأمن في حالة استنفار. السؤال: من يخاف ممن؟ الشعب يخاف من النظام، والنظام صار يخاف من رجاله، بعدما تحول كل واحد فيهم إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر بأسرار خطيرة في أي لحظة.
إنها حالة رُعب متبادل بين "الحاكم" و"الحارس"، والضحية دائماً هو المواطن البسيط.
شنقريحة في مرمى النار
أخطر ما يحمله ناصر الجن معه ليس جواز سفر إسباني ولا أوراق إقامة، بل الملفات السوداء التي تُدين شركاءه القدامى، وعلى رأسهم السعيد شنقريحة. هذا الأخير يدرك جيداً أن أي تسريب قد يُطيح به، خاصة وأن النظام قام على الصفقات السرية و"الدم مقابل السلطة".
لذلك، فرار ناصر الجن ليس مجرد أزمة أمنية، بل تهديد مباشر لبنية النظام العسكرية والسياسية برمتها.
نهاية "الجمهورية الأمنية"؟
منذ سنوات، يبدل النظام الجنرالات كما يبدل أوراق اللعب: أكثر من عشرين مديراً تعاقبوا على الاستخبارات في ظرف خمس سنوات. لكن هذا التغيير السريع لم يكن إصلاحاً، بل علامة على انهيار منظومة فقدت السيطرة على نفسها.
اليوم، حين يلجأ "الصندوق الأسود" نفسه إلى الهروب، فهذا يعني أن "الجمهورية الأمنية" الجزائرية وصلت إلى مرحلة التعفن الداخلي. كل مسؤول مغضوب عليه يُوضع في إقامة جبرية أو يُزج به في السجن، قبل أن يلتحق، إن استطاع، بركب "الحَرّاگة".
الحقيقة المرة
فرار ناصر الجن يعكس ببساطة قانوناً تاريخياً: الأنظمة التي تُبنى على القمع والدم، تأكل أبناءها في النهاية. النظام الجزائري الذي حوّل الحَريگ إلى قدر وطني، صار اليوم يرى رجاله الكبار يتدافعون بدورهم نحو قوارب الموت. والفرق الوحيد أن هؤلاء يحملون معهم "صندوق باندورا" مليء بالأسرار، قادر على قلب الطاولة على الجميع.
✍️ هيئة التحرير – تارودانت بريس 24
